الفرار من العنف في هندوراس

Like8127
Post
الصورة
تصوير فني للمشقات التي يواجهها الأطفال الفارّون من العنف. أعد هذا الرسم اليدوي كاتب هذا المقال «إيريك راميرز» (19 سنة)، وهو مُستلهم من لوحة للفنان الفرنسي (JR) موضوعة على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.

نشأتُ في حي فقير في مدينة «تيغوسيغالبا»، عاصمة هندوراس، حيث يحدث العنف يومياً إلى درجة جعلت البلد يُصنف على أنه أحد البلدان الأشد عنفاً في العالم، إذ يماثل معدل الوفيات فيه المعدلات السائدة في البلدان التي تخوض حروباً.

نحن نشكل حياتنا اعتماداً على من يحيط بنا أو ما يحيط بنا؛ فنحن ننشأ دون امتيازات، ودون أن ندري ما هي طبيعة الحياة في البلدان الأخرى، ودون حتى أن نعرف الكثير عن بلدنا نفسه. نحن ننشأ سعداء في عالم من الجهل، حيث نعتبر البقاء يوماً إضافياً بأنه إنجاز آخر في حياتنا، دون أن نعرف ما سيحدث غداً أو حتى أن كان هناك غد لنعيشه.

ينتابك الإحباط في مثل هذه الأوضاع إذ تشعر بعجز تام؛ فأنت ترى عالمك يتلاشى دون أن تتمكن من فعل أي شيء.

نشأتُ وأنا أشاهد العديد من الناس القريبين مني يُنتزعون من هذا العالم دون أدنى تحذير. وتثير هذه الأحداث شعوراً بالغضب والرغبة بالانتقام لدى بعض الناس، بينما يرى فيها آخرون علامة على وجود خلل ما، وأن ثمة حاجة لإحداث تغيير.

لقد استغرقني الأمر سنوات كي أفهم معنى خسارة فرد من أسرتي. فعندما كان عمري 7 سنوات فقط، اختُطف والدي ثم قُتل على يد أفراد عصابة لأنه ناجح في عمله ويدعم مجتمعه المحلي. وكنت مملوءاً بالغضب، ليس فقط لخسارتي لوالدي، بل أيضاً لرؤية دموع جدتي وحزنها إذ خسرت أحد أبنائها. وكانت جدتي بمثابة أم لي. وللأسف، فإنها شهدت من جديد بعد عدة سنوات ابناً آخر من أبنائها يفقد حياته ظلماً بسبب العنف.

ينتابك الإحباط في مثل هذه الأوضاع إذ تشعر بعجز تام؛ فأنت ترى عالمك يتلاشى دون أن تتمكن من فعل أي شيء. وللأسف، لم تكن جدتي قوية بما يكفي كي تستوعب ألمها، وترك رحيلها فراغاً جديداً في قلبي. وعلمتُ أنه لم يتبقَ أمامي شيء لأفعله في بلدي، وسيكون من الأفضل أن أبدأ بداية جديدة بعيداً عن جميع ذكرياتي السيئة.

 

يمكننا أن نجد إجابات عديدة عن التساؤل بشأن السبب الذي يدفع العديد منا إلى الهجرة من بلدنا. فبالنسبة للبعض، هم يفرون من العنف الذي يطاردهم، أو ببساطة تمثل الهجرة وسيلة لتحسين أوضاعهم المعيشية؛ وبالنسبة لآخرين، الهجرة هي فرصة لرؤية الأجيال الجديدة تنشأ دون قلق أو خوف. ويترك بعضنا وطننا لأنه لم يتبقَ لدينا شيء لنخسره، لأن كل إنجاز نحققه ابتداء من لحظة مغادرتنا هو مكسب لحياتنا.

وإذا حالفنا الحظ، سنصل إلى أرض الأحلام، حيث كل شيء ممكن، كما أن مجرد وجودنا هنا يجعلنا أشخاصاً نتمتع بالامتيازات، أو على الأقل هذا ما نسعى لإيصاله لأحبائنا الذين نتركهم وراءنا.

يأتي الشباب إلى هذا البلد طامحين أن يعيشوا حياة مثل تلك التي اعتدنا أن نراها في التلفزيون عصر كل يوم: البرامج الأمريكية التي تُظهر أشخاصاً عاديين في حياتهم العادية يفعلون أشياء عادية تبدو مثالية تقريباً. وعندما كنا نحوّل أبصارنا لهنيهة عن شاشات التلفزيون، كنا ندرك مدى اختلاف حياتنا العادية عما نراه. وكان ذلك هو المرجعية الوحيدة بشأن حياتنا لو عشنا في الولايات المتحدة. بيد أن هذا الواقع هو واقع زائف، إذ حالما تصل إلى الحدود فلا يُنظر إليك بوصفك “إيريك، الفنان” أو “غابرييلا، المغنية”، وإنما مجرد رقم آخر على قائمة قاضٍ ينظر في قضايا الهجرة.

نحن نصل إلى أرض مجهولة يقطنها أناس مجهولون وينطقون بلغة نجهلها. ولم نكن نعلم أن عدداً كبيراً من هؤلاء الناس يعارضون استقبال المزيد من اللاجئين في بلدهم. يجب ألا يعتبرونا أو ينظروا إلينا بوصفنا تهديداً، فنحن جميعاً متساوون، والفرق الوحيد بيننا هو الظروف التي نشأنا ضمنها.

 

إن «إيريك راميرز» (19 سنة)، هو فنان متحمس وناشط يعمل في مجال حقوق الأطفال اللاجئين والمهاجرين.

اقرأ المزيد عن التحديات التي يواجهها الأطفال المهاجرون وأسرهم من أمريكا الوسطى والمكسيك

مدونة