الملائكة المعذّبون

Like5335
Post
الصورة
صورة وصفية

"رغم كوني أبلغُ عشرُ سنوات من العُمر, إلا أنني أشك في ذلك.

اسمي ملاك, ولدت وترعرعت في مدينة حلب السورية, والدتي توفت جرّاء قذيفة حرب طائشة وماتت معها كلّ أحلامي, أما أبي فلا أدري لماذا أمسك بأيدي أخوتي وطار بهم بعيداً دوني.

طفولتي كانت محصورة بين أواني المنزل العديدة والحمامات الضيّقة, حتى وفاة أمي وهجران أبي لي ازداد الوضع سوءاً, حيث فرضت عمتي سلطتها عليّ بالقوة وجعلت نفسها وليّة أمري, فقامت بإخراجي من المدرسة وحرمتني من حقي في التعليم كي تأجرني عند أصحاب المنازل الفخمة لأكنس وأمسح, ولتأخذ هي و زوجها المال مني دون أي حق لي فيه.

تحمّلت الضرب والشتم وشتّى أنواع الاستهزاء منها ومن زوجها بسببٍ وبلا سبب, و أجبرت على السكوت أمام عمتي الأخرى كي لا أروي لها تفاصيل حياتي السيئة, عدا عن تذكيري بمأساتي في كل مرة أتعرض فيها للضرب كي أشعر بأن لا حق لي في هذه الحياة, وعندما أدافع عن نفسي ينتهي بي الحال مرميّة في الشارع ومعرّضة للأذى بنسبة أكبر, فاضطررت أن أتخلى عن كرامتي وحقوقي كإنسان مقابل أن أحظى فقط على زاوية أنام فيها آخر اليوم و كسرة خبزٍ تسد رمقي."

أصدقائي؛ قصة هذه الطفلةٍ حقيقيّة, وأحداثها حقيقيّة, الاسم وحده كان مزيّفاً غير أني تمنيت عكس  ذلك.

هذه الطفلة البريئة أخبرتني هذه القصة بعينيها, وأخبرتني أن حقوقي القليلة جداً يجب أن تنعم بها أيضاً, أخبرتني دون أن تنبس ببنت شَفة! لأنّ الكلام والخوض في هذا الموضوع يعتبر جريمة بالنسبة لها, لكنني تقصّيت عن الأمر حتى وصلت إلى هذه التفاصيل القليلة التي بين أيديكم.

لنعد أدراج القصة مرة أخرى, ولنفكّر ما هي أقل الحقوق التي يجب على الأطفال الحصول عليها ونجد أن ملاك الصغيرة تعاني من العنف ومحرومة من أبسط حقوقها, كحق التعليم والعيش بأمان والحصول على الدعم المعنوي والمادي. في الواقع الفتيات و الأطفال الذين يتعرضون للعنف هم ضحايا ضعفاء جداً وغير قادرين على البوح بتجاربهم الشخصيّة أو حماية أنفسهم, والعنف ضد الفتيات على وجه الخصوص موجود وبنسبة كبيرة ولا يمكن تجاهلها, لأنهم معرضون لأشكال عديدة منه, كالعنف الجسدي واللفظي الممارس من قبل مقدمي الرعاية والحرمان من التعليم, ولا يقتصر الأمر على هذا فقط بل يتعداه إلى العنف الجنسي من قبل الزوج في حال تعرضن للزواج المبكر.

حسب إحصائية أجرتها اليونيسيف فإن 6 من كل 10 أطفال من بين سن سنتين و 14 سنة على مستوى العالم (قرابة بليون طفل) يتعرضون للعقوبة البدنية من مقدمي الرعاية على أساس منتظم, وفي الغالب يتعرض الأطفال لمجموعة من العقاب البدني و الاعتداء النفسي, وهناك إحصائية أخرى أجراها موقع U-Report Syria  في سؤالهم عن كيفية معالجة مشكلة العنف المنزلي فكانت الإجابات على الشكل الآتي:

 أفادت نسبة 55% بأن القضاء على ظاهرة العنف المنزلي تكون عن طريق توعية الأهل و 28% أجابت بأن تكون عن طريق معاقبة الأهل, بينما أفاد 11% بأنه يجب تخصيص رقم لمثل هذه الحالات, وتراوحت النسب المتبقية ما بين 4% بأنه لا يوجد حل بينما 3% المتبقية أفادت بعدم اهتمامها للموضوع.

الأطفال الذين يتعرضون للعنف لا تتوفر لديهم الثقة والوسائل للتحدث علناً, أو لإخبار شخص كبير موثوق به أو للحصول على مكان آمن.

عندما تتعرض فتاة ما للعنف فإنها تعتقد أن العنف الذي يمارس من قبل زوجها في المستقبل هو من حقه, في الحقيقة ليس من حق الأهل كذلك! في رأيي, يجب علينا أن نتخذ إجراء للقيام بتوعية الأطفال والفتيات عموما والأهل ومقدمي الرعاية على وجه الخصوص, ففي اليوم العالمي للفتيات يجب أن ندرك أن لكل فتاة حقها في أن تحصل على التعليم وحقها في قول رأيها والحصول على دعم وكذلك يجب توعيتها في حقها في الزواج بعد القبول والقضاء على ظاهرة الزواج المبكّر.

هذه المسألة تقع على عاتقنا أيضاً, فإنه ليس أمراً مقبولاً أن ترى العنف يرتكب ضد الأطفال ولا تحرك ساكناً, لقد حان الوقت للتحدث.

القضاء على العنف ضد الأطفال مسؤولية الجميع.        

مدونة
الجمهورية العربية السورية