حلم يلتقط انفاسه الاخيرة

Like3469
Post
الصورة
حلم يلتقط أنفاسه الأخيرة

اقتربت منه بعد ساعة من الجلوس دون ان يبوح بكلمة, كانت ملامحه تخبرني الكثير من الأخبار التي بالتأكيد توصلني الى طريق واحد وهو انه ليس بخير, اقتربت منه وسألت ما بك؟ والحمد لله اني سألت, كان قنبلة تحتاج القليل من الضغط حتى تنفجر, لكن بحوارنا أرحته قليلاً, أخبرني قصة جعلتني أتضايق وأغضب, لكنه اخبرني انه مازال بعض الوقت الذي قد تتحول فيه قصته الى قصة نجاح, وهذا ما أفرحني بعض الشيء.

حواري مع هذا الشاب اليافع دام لمدة زادت عن ساعتين وليتها طالت, شعرت وهو يتحدث بأن كل حرف ينطقه كان يأخذ من روحه القليل من شدة ألمه وحسرته على ما حصل معه, وكأن شخصاً سرق منه سعادته, قصته جعلتني أؤمن أن العالم سيء للغاية, لا يرحم أحد, لا يقدر اجتهاد أحد, لا يعطي بالاً لأحد سوى القوي الذي بيده سلطة أياً كانت.

بدأت قصته بفضولٍ صغير حتى وصلت الى حلمٍ كبير يكاد أن يقتل!  بدأت حكايته منذ طفولته كباقي الأطفال في حبهم ألعاب الإنترنت, حيث كان يقضي معظم أوقات فراغه في اللعب على جهاز الحاسوب الخاص بوالده, ولكن كان يرتديه الفضول و السؤال كيف تعمل هذه الألعاب؟ كيف تسير الشخصيات بداخلها؟ أو حتى كيف يعمل جهاز الحاسوب؟ كيف تظهر الشاشات؟ والكثير من الأسئلة, لذى قرر بدء البحث عن هذه المعلومات, فبالبحث المتكرر والمطول, وجد أن هذه التكنولوجيا لها عالم واسع جدا وكبير, لكنه احبه وود الإبحار فيه, لذى بدء بتعلم لغات البرمجة وأخذْ دورات حول الحوسبة والرياضيات.

كلما اطال بالحديث زاد انبهاري بما فعله هذا الشاب الذي لم يتجاوز التاسعة عشر من عمره, كما أنه أفرحني بأن هناك ِأشخاصاً في غزة مازالوا يحلمون ويسعون لتحقيق أحلامهم المميزة رغم الحصار الخانق والحال السيء الذين يعيشون فيه, وما زاد حماسي لسماع ما فعل هذا الشاب أنه قد شهد الحروب الثلاثة التي وقعت على غزة وهو بعمرٍ صغير لكن هذه الحروب لم تتمكن من تحطيم آماله وأحلامه أو حتى تغيير أفكاره!

قبل بضعة سنين استطاع هذا الشاب بالالتحاق ببرنامج يساعده في تحقيق حلمه الكبير وهو دراسة درجة البكالوريوس في أحد الجامعات الأمريكية, حيث أن هذا البرنامج عمل على تطوير لغته الإنجليزية, وطوَر من مهاراته الشخصية والاجتماعية والقيادية, ثم السنة الماضية ساعده في التقديم لبعض الجامعات الأمريكية.

في كل كلمة كان يقولها كان يشعرني بقدر الجهد والتعب اللذان بذلهما من أجل الوصول الى اللحظة التي يصرخ بها من قلبه أنه فعلها, أنه حقق الذي يريده, أنه وصل الى ما يصبو إليه, وهذا حقاً أثار فضولي لمعرفة ما حصل معه بعدها.

أقسم انه أفرح قلبي عندما قال لي أنه بعد كل ما فعله, وبعد التقديم للجامعات, حصل على خمسة رسائل قبول من خمس جامعات أمريكية ومن بينهم الجامعة التي يطمح الالتحاق بها, خمسة جامعات تفتح له أبوابها وتخبره تعال وحقق ما تحلم به! لقد فعلها! لقد حصل على مفتاح باب حلمه! حقاً أحببت هذا الشاب.

لكني استغربت وسألته: بما أنك حصلت على قبول الالتحاق للسنة الماضية, ماذا تفعل هنا في غزة؟! ثم رده أحزنني كثيراً, وقَلَب كل الفرحة التي كستني خلال حواره الى مشاعر متخبطة بين فرح وحزن وديق وحيرة. أسكتني برده انه لا يستطيع دفع رسوم الجامعة, وما زاد حزني على ما حصل ان بسبب عدم دفعه لحجز المقعد قامت الجامعات بسحب رسائل القبول منه, ولكنه طمئنني بأنه ارسل طلب تأجيل التحاق للجامعة التي يريدها للسنة الحالية, وردت عليه الجامعة بالموافقة, ولكنه مازال لا يستطيع دفع رسوم الجامعة وفي غضون أقل من شهرين من الآن إن لم يدفع ثمن حجز المقعد سينتهي كل شيء.

الآن علمت لماذا كان بهذا الحال السيء للغاية عندما اقتربت منه, العائق المالي سيهدم كل ما بناه هذا الشاب خلال السنين الماضية, سينتهي كل ما فعله دون تحقيق حلمه الذي سخر وقته كله ليعمل من أجله.

يؤسفني حقاً ما حدث ويحدث لهذا الشاب وأقدم له أسفي عن كل الجهات التي توجه لها طالباً المساعدة لكن لم تأبه له ولما يسأل.

هذا الشاب يدعى هادي الحكلوت.

قصص
دولة فلسطين