واللاجئ إنسان أيضا

Like360
Post
الصورة
طفل صغير ينظر إلى السماء

لأخبرك قصة على لسان طفل لا نرى صورته إلا على شاشات التلفاز.

ولإن الصورة تعكس الواقع فإنها قد لا تعكس أحلامنا.

فالصورة التي تراها على شاشة تلفازك صامتة في حين أن القصة التي نحملها على صدورنا صاخبة كالفوضى التي تعيشها أوطاننا وأنت غير قادر على رؤيتها لا لأنك لا تبصر بل لأن شاشة تلفازك ليست سوى انعكس لواقع لا يرانا كبشر. فالواقع الذي تراه على شاشتك هو انعكاس لوجوه متشابهة ولأسماء تحولت إلى أرقام ولهويات ضاعت بين قاع المتوسط وأروقة العالم.

ولأن قد ما تراه على شاشة تلفازك قصة من نسج الخيال، إلا أن حياتنا ليست رحلة قد يخوضها ابن بطوطة أو مجلان، فهم لم يتركوا أوطانهم لأن عدد النوافذ المهشمة قد أصبح أكثر من عدد حبات القمح التي يتناولونها يوميا. وقد تخبرك شاشة تلفازك بأننا قد تسرعنا في الهرب من أرضنا التي تحولت ساحة للموت، وأن هروبنا من العنف كان ردت فعل مبالغ فيها وربما ستخبرك أيضا أن هروبنا من منازلنا وأحلامنا وماضينا وألعابنا هو مجرد وسيلة نتملقها لنكون عبئاً على شعوب ترى في لجوئنا خطراً على قوة يومها ولكن لا تصدق ذلك فالحقيقة لا تعكسها الصورة الصامتة التي تراها يومياً على شاشة تلفازك ففي النهاية التاريخ لا يكتبوه اللاجوؤن على أعتاب العالم وعلى الرغم من ذلك دعني أخبرك بما لا تراه على شاشة تلفازك.

فنحن لم نترك الوطن لأننا نرى في البحر فسحة صيفية ولم نترك بيوتنا لأننا نرى في بيوت الاخرين مستقبلا لم نكن نملكه. كانت لدينا أوطان تحمل أحلامنا وبيوت مليئة بألعابنا وضحكاتنا وأمالنا. فنحن لم نترك الأرض لأننا نريد ذلك بل تركناها لأننا خيرنا الحياة على الموت والأمل على اليأس، لقد تركنا أرواحنا هناك بين المروج ورائحة الزيتون والياسمين وتركنا تاريخاً قد ينسانا ولكنه سيظل محفوظا في ذاكرتنا كلما قرر أحدنا ركوب البحر بحثا عن الحياة التي فقدناها يوم سقطت منازلنا وتهدمت كل السبل نحو مستقبل رسمناه بين حكايات الجدات وحروف القلم.

نحن أطفال تركنا مدارسنا ومنازلنا وألعابنا وأحلامنا ورؤانا يوم خرجنا برفقة عائلتنا بحثاً عن أمل جديد وملجئ يكون أكثر أمان من أصوات القنابل وأثار البارود، فنحن لا نريد شيئا غير الحياة ولا نسعى نحو أي شيء غير الأمل.

هي تريد مدرسة وهو يريد حلماً ونحن لا نريد غير السلام ملجأً. فالطفل ليس لاجئا وإنما هو طفل وكفى! حقه في العيش هو حقٌّ تحفظه له الطبيعة الإنسانية والأعراف البشرية. اللجوء ليس عيباً ولا نقصاً من ذواتنا وإنما هو سعياً للبقاء على قيد الحياة والعيش حق يستحقه أطفالنا ونساؤنا ورجالنا.

البحث عن الأمل ليس جرماً والسعي نحو السلام ليس عيبا ونحن أطفال تعبنا من العيش في الخيام وبين الحدود فنحن نريد منزلاً وعيشاً كريماً يحفظ لنا طفولتنا الضائعة بين الثلوج والأزرق العميق. نحن نريد مدرسة لكي نحلم ونريد قلماً لكي نرسم، لنرسم مستقبلاً لا تكون فيه المدافع والرصاص الصورة التي تعكس واقعنا.

لا نريد أن نكون لاجئيين هنا أو هناك أو بين الحياة والموت، ولا نريد أن تكون ألعابنا مسداسات مائية وكرة من الملابس البالية ولا نريد أن تكون مدارسنا بلا كتب ولا ألواح ولا نريد أن تكون عائلتنا بلا أب أو أم أو أخ أو أخت.

بل نريد عالما يعيش فيه الأطفال بسلام ،عالماً نكون فيه المستقبل.

فأنا لست لاجئ بل أنا طفل... أنا إنسان.

ولأننا بشر فحركة الهجرة طبيعية ولكن ما ليس طبيعيا هو التقليل من شأن اللاجئيين والمهاجرين واعتبارهم بشرا من درجة ثانية وكأن حقوقهم وأحلامهم وحياتهم ليست سوى مسأل ثانوية تناقش بين مباراة كرة قدم وسهرة غنائية وكأن وجودهم بيننا نشاز اجتماعي قد يضر بنا.

وما ليس طبيعيا أيضا اهمال مشاكلهم وغض النظر عنها وكأنها لا تعنينا كبشر ولكن اختيار عدم رؤية الشيء لا ينفى وجوده ووجودهم بيننا يجب أن يكون سببا اضافيا يدفعنا نحو الاستماع اليهم ومد يد المساعدة اليهم فأن تهتم بمشاعر الاخرين جزء من واجبك البشري نحو الانسانية ففي وقت ليس ببعيد كان أولئك اللاجئون في أوطاننا ينعمون بالسلم الذي نتشدق به عليهم وكانوا يملكون حياة تضاهي حياتنا إشراقا وأملا ولكن ليس للحروب زمن مناسب ولا تطرق بابنا استئذانا ولأننا كنا قد عشنا وقد نعيش ظروفا تشابه ظروفهم علينا أن نكون سندا لأحلامهم وأن نفسح لهم المجال ليكونوا انفسهم فالوطن ليس رقعة جغرافية فقط بل هو رابط إنساني بيننا وأحلام نتشاركها ومستقبل يجمعنا تحت سماء واحدة. فالدفاع عن المظلومين في العالم لا يحتاج تأشيرة عبور ولا رابط دموي ولا عرقي ولا ديني مشترك فكل ما يهم هو الانسانية التي تجمعنا.

مدونة