تذكرة العودة..لو سمحت

Like600
Post
الصورة
Airport

أعترف أني مرة سرقت هرة من أمها لأضعها في ظل رعايتي، لكن الخدوش والجروح التي تركتها أمها على يدي ووجهي كانت استنكاراً وغضباً من جريمتي هذه.

اليوم وأنا على أبواب التخرج أذكر أن أمنيتي الثانية بعد إنهاء دراستي الجامعية كانت السفر... مجرد السفر مع حقيبة تصيح عجلاتها على رخام المطار : أفسحوا الطريق.. أنا راحل!!

لا أظن أن سبباً يجعلني أبقى في هذه الأرض. لقد تحملت الكثير من الوجع وخيبات الأمل، أجد أن فرص العمل تكاد تنعدم و شهادتي الجامعية لن تساعدني إلا في تزيين حائط غرفتي إلى جانب إمتيازاتي في سنوات دراستي السابقة، وهذا نقيض لما شاهدت و سمعت عن الفرص الذهبية التي تقدمها الشركات العملاقة لتستقطب و تسرق جميع الكفاءات وذوي الخبرات والشهادات من شتى بقاع الأرض، حسناً إني أرى مرآة أحلامي هناك خارج حدودنا الجغرافية، أنا قادم أيها المجد لكن اسمح لي.. سأشتري تذكرة العودة قبل تذكرة الذهاب! !

انظر حولك أيها الشاب ثم أجب :أين أنت؟ من أنت؟

أنا في صحراء جرداء عجوز خذلها أبناءها و قتلتها المطارات، أنا ابن حمص يسري بحر الساحل في دمي وتموج سنابل القمح في شعري، لحمي من ماشية باديتنا وأنفاسي ياسمين دمشقي، أنا قوة ترفع حجارة حمص السود لأبني بها قلاعاً في دمشق و جسوراً على الفرات أنا فكر يبني أجيالاً يرسم آمالاً، أنا صوت يعانق صداه قمم الجبال ليوقظ من غرق في سباته.  تعالوا هنا عندي لا تسرقوا أنفسكم من هذه الأرض لتهبوها للغربة اللعينة!!

زمن الجوع والحصار والدمار قد ولى، مللنا البكاء والعويل والتغني بأطلال مدننا، لنخلع ثوب الحطام والبؤس والهلع ونطويه في خزانة الذكريات.

أيا شباباً وضع أحلامه تحت وسادته ونام وبات يحلم بخارطة دافئة و يبحث عن وطن بديل، تذكر أن لك وطن ضمك تحت جناحه و كتب اسمك على جدرانه، لا تكسر على شواطئه أمواج أحلامك و ترسلها بعيداً على قارب مطاطي، إن الحل يبدأ من عندك لا من عندنا، حلمك يتحقق بيدك لا بيدنا ولا بأيد غريبة، لن تحمل الرياح سفينتك بعيداً عن شواطئنا فنحن الرياح و نحن البحر والسفن نحن الوطن لا الحجارة الصماء. بيدنا نبني أنفسنا و نرفع جبين وطننا.

كتبت هذا الكلام و أنا أسمع النداء الأخير لرحلتي بينما تئن الخدوش على وجهي و تبكي الجروح في يدي.. أعتقد أني سأعيد الهرة لحضن أمها وأعود أنا إلى حضن وطني.

مدونة