صراع الفتيات مع التقاليد، إلى متى؟

Like4673
Post
الصورة
صورة وصفية

كنت لم أكمل عامي الثاني عشر بعد حين طرق بابي بعض النسوة وسألوا عن حالتي،عن عمري و دراستي ثم صارحوني بقولهم: "أحببناكِ جداً ونريد منكِ أن تقبلي بابننا شريكاً لكِ في حياتك" كنتُ صغيرة ولم أفهم حتى ماذا يعنون بهذا الكلام، و راحوا يتحدثون لي كم ستصبح الحياة جميلة وسعيدة إذا قبلت بهذا العرض وأصبحت جزءاً من عائلتهم, رفضت بقولي أنني أريد استكمال دراستي، ففاجئوني بقولهم: "أنتِ فتاة، ونهايتك ستكون في بيت زوجك".

كيف يمكن لطفلة في الثانية عشر من عمرها أن تتزوج شاباً في الثالثة والعشرين؟

حين حدثت معي هذه القصة، كنت في بيئة جديدة مُغايرة عن البيئة التي عشت فيها سنواتي القليلة و انتقلت إليها بسبب الحرب، ولكن بعد تلك الحادثة توسلت لوالدي ألّا يبقيني في ذلك المكان أكثر.

بابتعادي عن ذلك المجتمع وخوضي تجربة مجتمع جديد مُخالف تماماً عن المجتمعين السابقين، استطعت أن أدرك أن ما فعلته حينها كان صحيحاً، لكنَّ تفكيري ظلَّ متعلقاً بالفتيات اللاتي يجهلن مصيرهنّ، فحين يصبحن بالغين تسرق منهنَّ طفولتهنَّ عمداً باسم الزواج.

 

يعرّف زواج الأطفال -حسب اليونيسيف- بأنه زواج رسمي أو اقتران غير رسمي قبل بلوغ سن 18 عاماً، وهو ينطبق على كل من الفتيان والفتيات، ولكن هذه الممارسة أكثر شيوعا بين الفتيات الصغيرات.

 

إن ظاهرة الزواج المبكّر لا تزال موجودة في الوطن العربي حتى أنها في تزايد، ربما بعض الفتيات قد يرغبن ذلك بملء إرادتهنّ وهذا قرارهنّ بالنهاية، ولكن ما الذي دفعهن إلى قول ذلك؟ ربما لم يعوا مدى خطورة الزواج المبكر وما يحمله من سلبيات ستنعكس عليهنَّ في المستقبل و في بعض الحالات قد تودي بحياتهنَّ إذا أنجبن أطفال في عمر مبكر.

"ريما" واحدة من تلك الفتيات اللاتي قرّرن خوض تجربة الزواج عن عمر مبكر فانتهى بها الحال في غرفة العمليات لتتعسر ولادتها ثم توفت وهي وردة لم تكمل عامها السادس عشر بعد ولحق بها طفلها.

 

ثلث الفتيات تقريبا في البلدان النامية (عدا الصين( يتزوجن قبل بلوغهن 18 عاما، كما تتزوج ما يقدر بـ11 في المائة قبل بلوغهن عامهن الـ 15، ذلك وفقاً لأحدث بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان.

 

  • الزواج المبكّر والتعليم:

ربما الحقيقة الأكثر خطراً هي أنه بالحديث عن الزواج والمسؤوليات فحتماً لن يكون هنالك مكان للحديث عن التعليم، فهنالك فتيات قاصرات يرغبن فعلاً في استكمال مراحلهم الدراسية بنجاح و يسعين إلى التفوق، ولكن الأهل يقفون حيال ذلك ويمنعون حدوث هذا بشتى الطرق و الوسائل، و يقومون بتزويجها فور بلوغها.

 

  • الزواج المبكّر والمجتمع:

البيئة المحيطة تشكل المفهوم الأول لفكرة الزواج المبكر عند الطفلة، فعندما تجد الطفلة نفسها محاطة ممّن هم في مثل سنّها ومُحمّلين بالمسؤوليات، لن ترغب الفتاة باستكمال دراستها بل هي حتماً سترغب في الزواج في هذا العمر! فتتحول هذه الظاهرة في ذلك المجتمع إلى شيء طبيعي جداً حتى أنه في تلك المجتمعات من الممكن أن تكون الفتاة مختلفة وفي بعض الحالات غير مرغوب بها إذا بلغت الثامنة عشر ولم تتزوج بعد.

 

  • أسباب الزواج المبكّر:

إن وسائل التربية في تلك المجتمعات، قلة الوعي، العادات والتقاليد، الفقر، الحاجة والضغوط الاجتماعية هي من أهم أسباب ظاهرة الزواج المبكر، فلا يحق للفتاة استكمال دراستها في المدرسة، الجامعة، ولا يحق لها العمل. إن قولهم لا لتعليم الفتيات ونعم للزواج المبكر للمحافظة على الفتاة من المجتمع وما إلى ذلك مراراً وتكراراً دفع الفتيات أنفسهن إلى عدم رغبتهن في خوض تلك المعركة لوحدهن والوقوف بوجه المجتمع إذا كانت عائلاتهن ضدهن!

 

  • من المسؤول، وما المخاطر؟

إن الأهل هم الراعون والمسئولون الوحيدون عن هذه القضية، وعدم وجود الوعي عند الأهل يشكل خطراً على المجتمع عامة والفتيات خاصة، قد تتعدد أسباب هذه الظاهرة ولكن من الصعب قبول فكرة أن فتيات صغيرات ينجبن أطفالاً! فليس عند الجميع المقدرة على خوض تلك التجربة بسلام، وقد يتبعها سلبيات كثيرة بسبب قرار اتخذته الطفلة بقولها "نعم" وهي لا تدري مخاطر هذه الكلمة، بالإضافة إلى حرمانهن من حقوقهن ولاسيّما: إنهاء فعلي لتعليمهن، حجب أي فرصة أمامهن لاكتساب المهارات المهنية والحياتية، يعرضهن لمخاطر الحمل والإنجاب والأمومة المبكرة قبل أن يكن جاهزات بدنياً ونفسياً، بالإضافة إلى زيادة خطر تعرضهن للعنف الجنسي من الشريك الحميم والإصابة بفيروس عوز المناعة البشري حسب منظمة الصحة العالمية.

 

  • ما دورنا نحن كفتيات اليوم؟

نحن كفتيات اليوم، دورنا يكمن في أن نعي وندرك مدى خطورة هذا الأمر على المجتمع، وأن نشرح سلبيات هذه الظاهرة للفتيات الأصغر منا سناً وللبيئة المحيطة والمسؤولة عن هذه الظاهرة بخطاب نابع من واقعهم ومرتبط بثقافتهم حتى نكون قادرين على مواجهتها سوية، و بالتالي شيئاً فشيئاً نقدم الوعي لكافة شرائح المجتمع رغم اختلاف البيئات والعادات والتقاليد، ففتاة اليوم الصغيرة هي القائدة الموعودة في المستقبل، مربية الأجيال العظيمة، و التي بدورها ستصبح جنباً إلى جنب مع مجتمعها يعالجون هذه الظاهرة و ظواهر عديدة أخرى، دون تفرقة و دون انحياز.

مدونة
الجمهورية العربية السورية