تغلب على المدرسة

Like5523
Post
الصورة
Girls using a computer

استيقظت صباحاً، متأخراً كالعادة. حزمت حقيبتي الثقيلة وذهبت مسرعاً إلى الجامعة. هنالك حيث الروتين الممل يتكرر، دروسٌ نظرية ومعلوماتٍ جامدة. البعض من أصدقائي كان يدردش بجانبي ويمنعني من سماع المحاصرة المملة (حمداً لله)، وآخرين يستخدمون أجهزتهم المحمولة تحت المقاعد. أعتقد أن أربعة أو خمسة (نيردات) من الحاضرين كانوا منتبهين، ولكن مع ذلك الأستاذ أكمل محاضرته وكأن الجميع يسمعه بفضول. في تلك اللحظة سألت نفسي سؤالاً:

لماذا نذهب إلى المدارس والجامعات؟

لكي نتمكن من الإجابة على هذا السؤال علينا العودة إلى البداية:

تاريخ النظام التعليمي المعاصر

قبل القرن العشرين مجموعة صغيرة فقط من الناس تلقت تعليم أكاديمي، لكن استجابة لحدوث الثورة الصناعية في بريطانيا التي كانت تسيطر على نصف العالم وقتها، أُنشئ النظام التعليمي العام.

كان الهدف الأساسي من هذا النظام هو إخراج عمال واقتصاديين ملمين بالعلوم الأساسية التي يحتاجونها للعمل بهذه التكنولوجيا الحديثة، وعليهم أن يكونوا متشابهين تماما حيث يمكنك شحن فرد من استراليا إلى الهند ومع ذلك يمكنه أداء واجبه على أتم وجه.

كان النظام مهندساً بطريقة مبهرة لدرجة أننا ما زلنا نستخدمه لليوم حتى بعد نسيان زمن الإمبراطوريات.

مع ازدياد عدد البشر وتطور التكنولوجيا أثبت هذا النظام فشله شبه التام، وخصوصا في دول العالم الثالث وعدم قدرته على ملاحقة التكنولوجيا وإخراج أفراد قادرين على التعامل مع سوق العمل الجديدة.

حاليا ومع الأزمة التي نعيش فيها نلاحظ الضعف الحقيقي في التعليم، فنرى طلاب المرحلة الابتدائية يستعينون بالدروس الخصوصية، وعدم ثقة الأهل بالمدرسة، واعتماد الطلاب على الحفظ فقط لتحصيل العلامات.

ببساطة، علينا أن نجهز أطفالنا لعالم غير موجود بعد الأن.

لحسن الحظ أن الحل موجود أمامنا، وهو الإنترنت، فالإنترنت أثبت جدارته كوسيلة للتعلم والتعليم، وأخذ المعلومات وتحليل النتائج، مع وجود بعض الوسائل الأخرى كالكتب والمقالات والبرامج الوثائقية... يمكن للفرد ببساطة أن يصبح متعلماً ذاتيا.

لكن من أخدع انا؟ ... اعتقدوا الناس أن الراديو والتلفاز سيغيرون التعلم إلى الأبد وها نحن ما زلنا هنا. الجواب ببساطة.. أرسطو الرقمي.

اصنع أرسطو الرقمي الخاص بك:

دعونا نتخيل المدرسة المثالية للحظة. حيث يوجد معلم مناسب لكل طالب يشرح له بسرعة مناسبة وعلى أساس معلوماته السابقة. يراعي اهتماماته وهوياته ويعطي له الذي سيلزمه في مستقبله فقط.

نشبّه هذه العلاقة بعلاقة ألكسندر العظيم بمعلمه أرسطو، نستشرف المستقبل حيث يوجد أرسطو الرقمي لكل طالب مدى الحياة يرعاه ويتطور معه. للأسف لم نصل هناك بعد، نحن نعيش على مفترق طرق بين نهاية ثورة المعلومات وبداية ثورة التحكم الآلي. من يدري ممكن أن يُستبدل المعلمين بروبوتات ناطقة قريباً.

فما الحل إذاً؟ اصنع أرسطو الخاص بك

الانترنت بحر مليء بالمعلومات .. أنا لا أريد أن أعطي خطوات تراتبية (كيف تصبح متعلماً ذاتيا بخمس خطوات وعشر دقائق؟!!!) حقيقةً نحن كلنا متعلمين بشكل ذاتي، فلو ما راجعنا وتدربنا على الدروس التي أخذناها لن نتعلم يوماً، كما قال الكاتب الأمريكي إسحاق اسيموف:

"التعلم الذاتي، كما أعتقد بصلابة، هو النوع الوحيد الموجود من التعلم."

ولا أريد أن أسرد مواقع وقنوات لا ولن تناسب الجميع .. ببساطة لكي تصبح متعلماً ذاتياّ عليك أن تصنع قاعدة بيانات من الأدوات التي تساعدك في الحصول على المعلومات .. مثلاً: إذا أردت أنّ اتعلم عن تاريخ بلد ما أذهب أبحث عنه في ويكيبيديا لأني مؤمن بدقة معلومات هذا الموقع، شخص أخر يبحث في موقع أخر لأسباب أخرى، وشخصاً أخر ممكن أن يبحر في مكتبة باحثاً عن أيا كتاب يعير ذلك البلد ذكراً، وهكذا.

في القرن الواحد والعشرين اصبحت الأفضلية لمن يستطيع البحث عن المعلومات وإيجاد النتائج لا لمن يحفظها، ويمكننا تحقيق ذلك بواسطة وسيلتين:

أولاً: التفكير النقدي .. ببساطة الشّك وهنا سوف تضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد عند امتلاكك هذه المهارة فأنت ستصبح قادراً على أخذ معلومات من أكثر من مصدر ونقدها ومقارنتها وكذلك أنت قادر على التأكد من صحة المعلومات على الانترنت من خلال بحثك الدائم والشك فيها وأخيرا سوف تمتلك أساس البحث العلمي ... فإذا لم تستطيع البحث ببساطة لا تستطيع التعلم الذاتي.

الانترنت مليء بالخرافات والمعلومات المغلوطة التي تنتشر بسرعة. نستطيع الـتأكد من المعلومات من خلال المواقع المختصة أو البحث عن المصادر فعندما يتوافق أكثر من مصدر على معلومة ذاتها فهي صحيحة نسبياً.

لكي تكون مفكر نقدي يجب أن تملك عقل منفتح وببساطة لا تقف عن السؤال .. لماذا؟ أين؟ كيف؟...

"علامة العقل المتعلم هو قدرته على تداول الفكرة دون أن يتقبلها"

أرسطو

ثانياإيجاد الدوافع. على عكس المدرسة حيث الدوافع تحيط بنا من جميع الاتجاهات، من نظام العلامات والعقوبات، إلى ضغط المجتمع والأهل، إلى التحدي بين الزملاء .. غالباً في التعلم الذاتي لا نستطيع إيجاد هذه الدوافع.

علينا صنع هذه البيئة المليئة بالدوافع التي تدفعنا لترك منشورات الفيسبوك المضحكة وإمضاء ساعات على مواقع مثل ويكيبيديا.

كل شخص يختلف عن الأخر .. البعض يستطيع أن يدرس على جهاز لوحي .. أخر يفضل استخدام الكمبيوتر مع دفتر .. لذلك علينا صنع مكان مناسب الذي يقول للعقل هيا هنا للعمل والدراسة.

وكذلك علينا اختيار المواقع والمراجع التي نرتاح بالتعامل معها .. البعض يفضل محتوى بصري غني ومتحرك فيتجه إلى اليوتيوب وآخر يفضل الصور الطويلة التي تشرح الفكرة ببساطة ودون تعقيد فيتجه مثلاً إلى Pinterest...

انتشرت في الآونة الأخيرة المواقع التي تقدم المحتوى البصري والسمعي والكتابي بطريقة جذابة للمتعلم وحتى مع نظام امتحانات وشهادات مثل:

Futurelearn.com

Khanacademy.com

ختاماً أود أن انهي مدونتي بدعوة لاستخدام الانترنت كوسيلة للتعلم والتعليم .. لإغناء الفضاء العربي بالمواقع والفيديوهات والتعليقات التعليمية باللغة العربية. فكل شخص منا يمتلك مهارة معينة يمكنه تمريرها لملايين بواسطة ضغطة زر، وكل شخص منا يحتاج مهارة معينة أو معلومة يمكنه الحصول عليها بضغطة زر. ربما ستغير حياته وتطورها للأفضل.

مهمتنا الأساسية كمجتمع اليوم هي ليست مكافحة الأمية ومحاربة الجهل .. ببساطة هي توفير الانترنت والتشجيع على استخدامه للتعلم .. وانا واثق أنه بانتشار هذه الثقافة ستختفي بعض أفات مجتمعنا تباعاً.

ملاحظة هامة: اني لا أدعو الي ترك المدرسة والنظام التعليمي ولكن رسالتي هي فقط بنشر ثقافة التعلم الذاتي واستخدام الانترنت في التعلم و التعليم سواء في المدرسة أو الجامعة أو المطالعة البسيطة في البيت.

مدونة
الجمهورية العربية السورية