تيمور

Like2184
Post
الصورة
قط

لا أعرف من في العائلة سمّاه "تيمور" وهل إن كان يعجبه الإسم أم لا، ولا أظنّه مهتم كثيراً لللقب الذي نناديه فيه طالما نحقق له رغباته الثلاث في الحياة "الأكل، السرير الدافئ، وألا يوقظه أحد".. صاحب مزاج جيّد ويستطيع أن يختار الأوقات التي يقرر اللعب فيها.. في طفولته كان قادر على تحسين مزاجي السئ.. يظلّ ينظر إليّ ببلاهة.. يموء ببلاهة أيضاً حتى أضحك!!.. يريد أن يخبرني شيئاً لا أفهمه مثل "معلش".. "بتهون".. "كفاية نكد.. يستطيع أن يخترق وحدتي.. يظلّ واقفاً أمام الباب حتى أخرج إليه أو اسمح له بالدخول.. لا يتكلم إن كان يومي سيئاً ولا أنا اعطيه الانتباه الكافي ولكننا نظلّ ننظر لبعضنا من وقت لآخر لنتأكد إن كان يريد أحدنا أن يقول شيئاً ولكننا – غالباً – ننام ولا نفعل.. كنت أحبّ وجوده وهو كان يحتاج شريكاً مستيقظاً في ساعات الفجر المتأخرة يعوّض من خلالها فرط حركته الليليّ.. 
تخيّلت أنه عندما يكبر ويستطيع تجاوز حافة باب البيت سيموت خلال ثلاث أيام على الأكثر.. لن يحتمل صراع قطط الشوارع البلدية الكبيرة، سيهجمون عليه ويقتلوه.. ولكن للمفاجئة خيّب ظنّي.. أستطاع البقاء.. لا وبل إنشاء ذرية كبيرة تحمّل ملامحه وشكله ولونه من نفس قطط الشوارع التي تصوّرت أنها ستقتله.. أشكال اولاده كانت مضحكة.. إما تحمل وبره الناعم الأبيض وعيون امهاتها الخضراء المتحفزة.. أو عيونه الزرقاء الوديعة وأوبار أمهاتها الصلدة المتمرسة..

 

كان يغيب أياماً وليالي عن البيت.. يعود إلى غرفتي في أوقات الصباح الباكرة حتى يتأكّد أنني سأظلّ صديقه مهما مضت الأيام.. وأنا بت أخاف من شكله ورائحته التي بدأت تشبه روائح بيادر القمح وقنن الدجاج.. لا أعرف أين قضى أيامه.. وأخاف من أن يكون حمل "مرضاً قططياً ما" خلال فترة غيابه قد يتسبب بقتلي بسببه.. لست أنانياً ولكنه هو أضحى غريباً أيضاً.. نضوجه بالنسبة لي كان مخيفاً وغير مفهوم علاقتنا كانت تنتقل إلى مراحل صعبة لم أتخيل أننا سنصل إليها.. أنا لم أحترم ما أصبح عليه وهو لم يستسيغ عدم تقبّلي لهيئته الجديدة، لذلك تدريجياً تلاشت خطوط الودّ وساعات الصفا.. صار وجودنا معاً في الغرفة لا يحمل أيّ حبٍّ سابق.. كان يأتي من وقت لآخر ويجلس في حاكورة البيت في مكانٍ لا أراه فيه.. اختار أن يعيش وحدته بدوني وأنا لم أعترض.. بصراحة كان يؤنسني أننا لم نفترق وأنه ما زال قريباً..

في الحرب كان الوحيد الذي يسمحُ له الجنود بالتجوّل في الشوارع.. لولا أنه قط لتأكّدت أنه عميل بطريقة ما.. ولكنه كان يعيش حريّته بغض النظر عن رأي أي أحدٍ فيها "حتى الحرب لم تمنعه من ذلك".. كنت ابتسم حين أراه وهو يتسكع وغير مبالٍ ولا مكترثٍ بالموت الذي يدور حوله..

حجم الشظية التي اخترقت بطنه لم تكن كبيرة، ولكن ألمها ووجعها كان واضحاً في عيونه، صديقي الذي لن يفهم العالم مدى ارتباطي به قتلته الحرب قبل إعلان توقيع إتفاق التهدئة بعدّة ساعات.. قذيفة مدفعية طائشة؟ موجهة؟ صاروخ تائه؟ لا أعرف.. أخي وجده على باب البيت يحاول أن ينادي أي أحدٍ فينا.. الكل كان فرحاً وحزني في ذلك الوقت لم يكن مهماً لأحد.. "تيمور" عاش عدداً كثيراً من السنوات بالنسبة للقطط، خاض الكثير من العذابات ولكنه مات شهيداً فداء حريّته وأنا عشتُ فقط حتى أفتقد وجوده في ساعات الليل وألعن وحدتي التي آنسها وجوده، أتخيل لحظاتنا معاً وأكتب عنه وعن برد الشتاء.

قصص
دولة فلسطين