وأنت، ماذا فعلت؟

Like6864
Post
الصورة
صورة يظهر فيها صف من مدرسة مدمّرة إثر الحرب

لا أعلم لماذا قفز إلى ذاكرتي الباص الذي ذهبت فيه إلى المدرسة منذ سبع سنوات..
لقد كان "هيكلاً" للباص إن صح التعبير، لا يوجد نوافذ ولا أبواب، فقط بعض الأعمدة الحديديّة الصغيرة التي تستطيع التمسك بها لئلّا تقع، كانت المعلمة تحاول جاهدة في إبعاد الأطفال عن النوافذ المفتوحة والتي تدخل منها الرياح كما تشاء وتلعبُ في الداخل، أذكر أيضاً كيف تأخرنا على المدرسة ذلك اليوم لعدم توفر الوقود الكافي للباص، ثم أخيراً، وصلنا.

كانت المدرسة كحال الباص تماماً، مدمّرة لم يبقى منها سوى اسمها وبعض الصفوف الداخلية التي تراكم بها الأطفال بحثاً عن معلومة ما لتفيدهم، الإناث في صفوف، والذكور في صفوف أخرى "أووه كم هذا ممل" تمتمتُ بصمت خوفاً من أن يسمعني أحد.

تركتُ الصفّ من شدّة مللي وذهبت أتأمل تلك المدرسة، لم يسعني فضولي إلّا إلى الصعود على الدرج والذهاب إلى السطح، وصلت والتفتّ، وشهقت وبكيت!
الدمار الذي حل بالمكان، هنا كان بيت عمي، لا لا هنا، حقاً لا أذكر!
ما الذي حلّ بالمدينة بحقِّ السماء؟ هل الرؤية من أعلى تختلف عن الرؤية من الأسفل؟ رغم أنني أشاهد هذه المباني دوماً لم أفكر أبداً كيف ستبدو من أعلى!
هنا كان بيتًا لشخص ربما قضى عمراً في بنائه ولم يخلد فيه طويلاً، وهنا المدرسة التي تحمل ذكريات الطفولة باتت مخيماً للأسلحة، والشارع الذي قضينا نلعب الكرة فيه هناك لم يعد متاحاً بل أصبح حاضناً لجدران المنزل المتهاوية، وتلك النافذة التي لطالما تأملت فيها القمر المضيء وحلمت بغدٍ سعيد أصبحت ممتلئة بخدوش الرصاص والقذائف.
تلك المشاهد لا تزال عالقة في مخيلة رأسي الذي يرفض التخلي عن التفكير الزائد!

."حسناً، على الأقل لا أزال على قيد الحياة" أقول لنفسي
ثم بعد كل ذلك، أرفض أن أكون مجرد فكرة مكتوبة على الورق لا تترجم إلى الكون الخارجي، أرفض أن أكون مجرد عابرة في هذه الحياة تشاهد الكون يجري من حولها وخلالها وتظل كما هي.
في الحقيقة إننا انعكاس لذواتنا السابقة، للإنسان البدائي وما مرّ به من ظروف.
قرأت اليوم اقتباس "كل ما نقوله قد قيل؛ ولكننا نعيد صياغته" وأظن أن حياتنا أيضاً كذلك، تعيد نفسها بذلك الشكل الرتيب.
فالباص على رغم حطامه ما زال يعمل، والمدرسة على رغم دمارها لا زالت تعلم الأطفال، والمدينة رغم موتها أعطت الحياة.

وأنت، ماذا فعلت؟

مدونة
الجمهورية العربية السورية