القدرة على التحمل

Like643
Post
الصورة
The author standing on a hill with a city skyline behind her.

عادة ما يكون الأشخاص قادرون على التأقلم مع الحوادث التي تطرأ على حياتهم وتقلبها رأساً على عقب، على الرغم من صعوبتها، كخسارة من يحبون، الحروب والفشل. إنها قدرتنا على الاستمرار، والمضي قدماً رغم كل المحن. فهل يمكنك أن تتخيل أن حياتك بالوناً تقوم بنفخه، وكلما نفخت أكثر ازداد حجمه؟ إنها المرونة التي تتمتع بها الأشياء الجامدة ولكنها بالوقت ذاته تمثل القدرة البشرية على التحمل.

كنت لم أتجاوز الثامنة عشر من عمري عندما بدأت الأزمة. كان عندي الكثير من الأحلام والأمنيات. كنت أطمح أن أحقق الكثير من النجاحات وببالي الكثير من الإنجازات التي أريد أن أبدأها فور تخرجي من المدرسة الثانوية. كل هذا وذاك سقط فجأة خلال ثوانٍ. عندها، بدأت البحث عن طرق للاستمرار والتماشي مع الواقع الجديد بغض النظر عن الحوادث المؤلمة التي كانت تجري كل يوم، ناهيك عن الدمار الكبير في البنية التحتية.

أصبحت أفهم أن هناك أشياء لن نستطيع التحكم بها، كالفرص التي تأتينا من دون أن نسعى لها والأخطار التي نخوضها دون أن نختارها. ومع ذلك، فنحن من يتحكم بردود أفعالنا تجاه ما يجري. هذا ما علمتني إياه الحياة.

وحتى نكون قادرين أن ندخل في مرحلة التغيير، لابد لنا أن نتعرف على المحنة و نتقبلها. فالأشخاص المرنين لا يستسلمون. هم لا يسقطون عند أول عثرة ولا يضعفون. هم يرون كل تحدٍ فرصة لهم ليتقدموا خطوات أكثر في طريق النجاح ويصنعون من العقبات سلماً يوصلهم إلى قمة أهدافهم. نحن ببساطة أشخاص قادرون على التقدم إلى الأمام دوماً بخطوات كبيرة.

حياتي لم تبدأ كما خططت لها أو كما كنت أتمنى. ولكن كشابة سورية تعيش في سوريا، كنت محظوظة لأن أتعرف على طاقاتي وأطورها. فرغبتي بصنع التغيير الإيجابي كان يذكرني بواجبي تجاه غيري من الشباب ممن هم أقل حظاً. أما قصص الناجحين حول العالم الذين في يوم من الأيام كانت حياتهم أسوأ من حياتي بأضعاف كانت تدفعني لأن استغل قدرتي على الوقوف والعمل.

تعلمت الكثير من الدروس خلال الفترة السابقة بالرغم من صغر سني. هنا أريد أن أشارك معكم بعض النصائح التي أحب أن أوجهها للشباب الذين لا زالوا يحاولون أن يبصروا الطريق الصحيح في سوريا وحول العالم، وبالأخص الفتيات كونهن الأكثر ضعفاً في مناطق الأزمات والحروب.

 

الأشخاص القادرون على تحمل التغيير ليسوا أبطالاً خارقين. فهم يحولون الهزيمة إلى انتصار وكل خطأ إلى درس يتعلمون منه طريقة جديدة للنجاح في المرات القادمة. هم لا يدعون الفشل يؤثر على ثقتهم بأنفسهم في صنع المعجزات.

الأشخاص القادرون على تحمل التغيير يستيقظون كل صباح وهم يعرفون السبب الذي يجعلهم ينهضون من السرير. فهم ملتزمون بأهدافهم ويؤمنون بسبب وجودهم في الحياة. هم لا يكرسون حياتهم للعمل فقط، بل لديهم قضية يسعون من أجل تحقيقها ويمضون وقتاً من أجل عائلتهم والأشخاص الداعمين في حياتهم.

الأشخاص القادرون على تحمل التغيير يعرفون حدود طاقاتهم في الأمور التي لا يملكون السلطة على تغييرها. لذلك فهم لا يبذلون وقتاً ولاجهداً إضافياً عليها. بل على العكس من ذلك فهم يتقبلونها كما هي لأن ذلك يجعلهم يشعرون بقوتهم في الأشياء التي يستطيعون تغييرها بدل الشعور بالعجز المطلق.

وإذا أردت أن تكون من هؤلاء الأشخاص القادرين على التحمل وصنع التغيير، فعليك أن تبدأ بفعل ما يلي:

حافظ على نظرتك الإيجابية إلى العالم. فلن تحصل إلا على ما تسعى من أجله.

إبدأ بوضع أهدافك وتحديد خطتك لتحقيق هذه الأهداف.

ابق نفسك محاطاً بأشخاص إيجابيين فهم أشخاص ملهمون وطاقاتهم تمتد لم حولهم. اجعل من حولك يكون مؤمناً بأنك قادر على التحمل وصنع التغيير لأن ما يؤمنون به سيصبح قريباً ما تؤمن به أنت أيضاً.

خلال السنوات التي مضت شعرت بالضياع والعجز، وفي كثير من الأحيان كنت أفقد الأمل بأي تغيير. اليوم أصبحت الإنسان الذي أريده.قررت أن أكون صانعة حياتي. اتخذت قراري بأن أتماشى مع واقعي الجديد وأن أستغل كل عقبة لأتعلم أكثر. لم أستمع لأقوال الذين كانوا يحاولون أن يثبطوا من عزيمتي على النجاح ورفضت أن أكون مجرد شخص عادي لم تجري حياته وفق مخططاته فيتوقف عن المحاولة في تغيير ولو تفصيل صغير يمكن أن ينقله من الفشل التام للنجاح الكبير. اخترت الرحلة التي استحقها، حياتي كما أريدها أنا.

وفي عام 2016، استطعت أن أكون أحد المتحدثين في أحد المؤتمرات العالمية لتيد اكس في تايوان لأتكلم عن تجريتي وأنقل الدروس التي تعلمتها خلال رحلتي في سوريا.

 

إن قرأت هذه المقالة القصيرة، فأريدك أن تعرف جيداً أنه إن كان بإمكان إنسان عادي أن يحقق نجاحا ولو بسيطاً، فأنت أيضا تستطيع.

مدونة
الجمهورية العربية السورية