قصة المتشرد "سين"

Like588
Post
الصورة
child

داخل شوارع دمشق قصص واقعية تحكي وتختزن بين طيات يومياتها المعذبة جراحات الطفولة الضائع، ماسحو أحذية، ماسحو زجاج السيارات على المواقف، متسولون -متسكعون -وكلهم أطفال يشكلون اللوحة المحزنة للفقر والتشرد.

نسجت عشرات القصص للأطفال الباحثين عن الرزق والمتسولين والمشردين والأيتام وغيرهم. حيث الشوارع تكتظ بهم والأرصفة تصبح مناماً وسريراً لهم، لأسباب بعضها يمكن أن يكون معلوماً وأهمها الفقر.

و سأعرض قصة أحد المشردين المتواجدين تحت جسر الرئيس في محافظة دمشق القريب من منطقة البرامكة حيث أن هذا الجسر كان كافياً ليكون مأوى لعدد من هؤلاء المشردين.

وفجأة خرجت فتاة لا يتعدى عمرها احدى عشر عاماً كانت مرتدية ملابس رثة تحاول ترتيبها على جسدها النحيل ليخرج فتى صغير أيضاً كان يلبس بنطاله الممزق، مع وقوف فتيان أمامهم ويشاركون في حجم الكارثة التي أشاهدها وهي استعطاف المارة للحصول على حفنة قليلة من القطع النقدية.

سين البالغ من العمر وحسب تقديري خمس عشرة عاماً، لم تخذله الحياة فحسب بل نسج الخوف خيوطه في خطواته الأولى نحو العمل والحصول على لقمة العيش، مستعطفاً المارة والركاب من أجل من يعطيه فتات الطعام أو النقود ليعود في نهاية يومه إلى مأواه أسفل الجسر محتمياً من شدة الصيف الحار وبرودة الشتاء القارص.

قال لي: أسير أمام السيارات على أقدامي العارية غير مبال بالأخطار تاركاً خلفي نظرات الشفقة والإحسان من عيون بعض الناس حيناً ونظرات القسوة والاحتقار حيناً آخر.

فسألته أين عائلتك؟ محاولاً استدراكه لأعرف من الذي يعتمد على طفل صغير في العمل ودونت حديثه

فأجابني: لا أعلم من هي عائلتي وكيف جئت إلى الدنيا، لست المشرد الوحيد هناك أصدقائي أيضاً من الفتيان والفتيات، نلتقي تحت الجسر ننام ونتقاسم الطعام ونفعل كل شيء، كل شيء مباح لنا لأننا أطفال شوارع!

ثم يبكي سين على حاله قائلاً: الناس يمرون بجانبنا يروننا ونراهم يصحبون أطفالهم إلى المدارس بينما نحن في ضياع تركناها ونحن نفكر. ربما قد يصبح سين قتيلاً لضعاف النفوس ومرتكبي جرائم تجارة الأعضاء، أو يموت جوعاً دون أن يجد من يرفق بحاله ليعطيه ما بقي من فضلات الطعام.

هذه إحدى القصص المؤلمة عن الأطفال المشردين والأيتام الذين خرجوا لاكتساب مهنة تكسبهم قوت يومهم. فقد خرجوا إلى الدنيا دون أن ينعموا بحنان الأم، مفتقدين رعاية الأب حتى أصبحوا كالريشة تتناولها العواصف والرياح من مكان إلى آخر. فهم أطفال لا ينتمون لعالم الطفولة بشيء سوى أحجامهم، حتى أشكالهم باتت أشبه بالعجوز قد أكل الدهرعليهم ما أكل وشرب من عروقهم حتى ارتوى،. باتت كلماتهم تقول: الظروف واقفة ضدنا حتى استسلمنا لليأس الذي شردنا ووضعنا في مهب الرياح تقذفنا كما تشاء.

سين ليس الأول ولن يكون الأخير من ضحايا أطفال الشوارع ولكنه بمثابة نموذج مصغر من ضحايا الإهمال وعدم اهتمام الجهات المجتمعية والمسؤولين بقضيتهم التي قد تتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد أمن الشارع والمجتمع.

مدونة